الجمعة، 15 سبتمبر 2017

عمار حمداش، المنشغل دائما بالسوسيولوجيا




     لا شك أن عمار حمداش هو واحد من أهم الأساتذة الباحثين في علم الاجتماع في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة وأحد أعمدة الفكر السوسيولوجي بالمغرب، فهو ينتمي إلى جيل السوسيولوجيين المغاربة الذين طبعوا مسارهم العلمي على مستوى المحلي والوطني والعربي أمثال ادريس بنسعيد، مصطفى محسن، محمد الدهان، عبد الرحيم العطري، حسن أحجيج، حيث يصفه زملاءه من أهل الاختصاص بالعالم الدقيق، نظرا لكونه دائم البحث والتدقيق في كل ما يرتبط بالظاهرة الاجتماعية على مستوى الموضوع والمنهج، فهو من المهتمين بتطوير البحث السوسيولوجي بالمغرب خاصة على مستوى المناهج العلمية وأدوات البحث.
     وقد ولد عمار حمداش بمدينة مكناس في سنة 1958، حيث تابع حياته الدراسية بنفس المدينة، وبعد حصوله على شهادة البكالوريا طرح أمامه عرضا مغريا لكي يتابع دراسته في الخارج، نظرا لتفوقه في الدراسة وتمكنه من اللغات الأجنبية مبكرا، إلا أنه اختار البقاء في الوطن ليشد الرحال إلى جامعة محمد الخامس بالرباط حيث سيلتحق بشعبة علم الاجتماع رغبة منه في فهم المجتمع المغربي والإجابة على سؤال التنمية في المجتمع القروي، وهو الأمر الذي كان له تأثير عليه في اختياره لموضوع: «التحولات الاجتماعية وإشكالية تحديث المناطق القروية بالمغرب: دراسة ميدانية لمنطقة سيدي يحيى الغرب» من أجل نيل شهادة دبلوم الدراسات العليا تحت إشراف المرحوم محمد جسوس في سنة 1995.
     ويعتبر الباحث عمار حمداش من أوائل مؤسسي مسلك علم الاجتماع ضمن شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع بجامعة ابن طفيل القنيطرة مع كل من خديجة أميتي وعبد الله محسن ونور الدين الزاهي وعبد الرحيم العطري ومحمد المرجان ومحمد دحمان. وقبل أن يلتحق بالجامعة فقد كان مدرسا للفلسفة والفكر الإسلامي بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، واشتغاله كمدرس للفلسفة لم يمنعه من الانشغال بالبحث السوسيولوجي، بل زاده حبا والتزاما في ممارسة حرفة عالم الاجتماع الذي تعلمه من المرحوم محمد جسوس أثناء تكوينه في جامعة محمد الخامس بالرباط.
     يتميز الباحث عمار حمداش كغيره من الباحثين الذين تتلمذوا علي يد المرحوم محمد جسوس بانفتاحهم على تخصصات أخرى كالفلسفة وعلم النفس والأنثروبولوجيا وتركيزهم على التاريخ خاصة التاريخ الاجتماعي، ففي نظر الباحث عمار حمداش لا يمكن فهم الظاهرة الاجتماعية في آنها فقط وإنما يجب التعامل معها في تاريخ نشأتها وتطورها، من خلال اعتماد الباحث على السيرة الذاتية والوثائق التاريخية كالمخطوطات وكل ما يمكن أن يقرب الباحث من فهم الظاهرة الاجتماعية في بعدها التاريخي والثقافي والاقتصادي والسياسي.
     أما بالنسبة إلى الدرس السوسيولوجي الذي يقدمه الأستاذ عمار حمداش أمام طلبة علم الاجتماع بالقنيطرة، فهو درس لا يختلف فيه أي أحد منا بأنه أشبه بكتاب مفتوح في بحر العلوم الاجتماعية والإنسانية، فهو درس الدرس بتعبير بيير بورديو لكونه يهدف أساسا إلى تمكين الطالب والطالب الباحث خصوصا من القدرة على ممارسة البحث السوسيولوجي وتعميق فكره المعرفي عبر استحضار ما يسمى بالعلم الاجتماعي (الأنثروبولوجيا، التاريخ، السوسيولوجيا) وتسخيره علميا بهدف الفهم والتفسير، فالدرس الذي يقدمه الأستاذ عمار حمداش يلح فيه دائما إلى أن المعرفة السوسيولوجية هي بناء وتنظير ورصد للتغيرات الاجتماعية التي تعرفها المجتمعات الإنسانية كالمجتمع المغربي.
     إن الحديث عن الباحث عمار حمداش هو أيضا حديث عن تصوره وتمثله للممارسة السوسيولوجية بالمغرب، فهو يؤكد بأن دور المعرفة العلمية التي ترتبط بالحقل السوسيولوجي أو بأي حقل آخر ينتمي إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية إنما يكمن أساسا في خدمة المجتمع، فالمعرفة السوسيولوجية على سبيل المثال، لا يمكن أن تبقى حبيسة الجدران وإنما هدفها هو التدخل الاجتماعي وخدمة ما هو اجتماعي بالدرجة الأولى، وهذا ما تؤكده لنا ممارسته العلمية حيث ساهم في إنجاز عدد من دراسات الخبرة والاستشارة العلمية حول مجموعة من القضايا الاجتماعية مثل: (الأطفال في وضعية الشارع ـ التحرش الجنسي عند النساء ـ الوساطة الأسرية ـ تنظيمات المجتمع المدني ...إلخ).
     ويرى الباحث عمار حمداش في أكثر من مناسبة بأن التدخل الاجتماعي يشترط فيه الموضوعية نحو كل ما هو اجتماعي، حيث تستوجب من هذه الموضوعية أن تكون باردة وذات معنى بخلاف ما يعبر عنه آلان تورين بأن الموضوعية الباردة تتعارض بشكل كبير مع حرارة الحركات الاجتماعية. كما يرى الأستاذ عمار حمداش أن من معيقات البحث السوسيولوجي في المغرب هو الاشتغال الفردي للباحث، فالأمر بالنسبة إليه ليس كافيا إن صح التعبير في تطوير الممارسة السوسيولوجية بالمغرب على الرغم من كل التضحيات والمجهودات الجبارة التي يقوم بها الباحث أثناء البحث الميداني، مما يجعله يؤكد أن الاشتغال ضمن إطار الجماعة العلمية، وتشجيع وتمويل وتمكين هذا الإطار العلمي عبر الجامعات ومعاهد البحث العلمي والمؤسسات الحكومية والتنظيمات غير الحكومية هو ما يمكن أن يخدم السوسيولوجيا في المغرب منطلقا من تجارب غربية ومن التجارب التي عرفتها بعض البلدان المغاربية في مرحلة الاستعمار، خصوصا في عهد الحماية الفرنسية بالمغرب كإنشاء مؤسسات علمية وتكوين مجموعة من الباحثين وإنشاء فرق علمية ساهمت في إنجاز العديد من الدراسات والأبحاث ذات الطابع الإثنوغرافي والتي كان لها دور في عملية التحديث بالمغرب على الرغم من الصبغة الاستعمارية التي ميزتها في تلك المرحلة.
     أما أعمال الأستاذ الباحث عمار حمداش فإنها تتميز بالكثرة والتنوع، وتتوزع على مجموعة من المجلات الوطنية والعربية في معظمها محكمة، وأيضا له أعمال ضمن الكتب الجماعية الصادرة عن مجموعة من المؤسسات الجامعية ومراكز البحث بالمغرب، يمكن أن نذكر منها: «وضعية البحث السوسيولوجي في الوطن العربي»، و«تطور مفهوم الغرب في التقسيم الإداري للتراب الوطني»، و«العرض والقبيلة» و«ميلاد زعامة سياسية ونهاية تمثيلية روحية»، إلخ. كما له حوارات ولقاءات مع مجموعة من المنابر الإعلامية، ومن أهم إصداراته كذلك نجد: «تقنيات البحث السوسيولوجي» الذي صدر عن سلسلة دفاتر طالب علم الاجتماع سنة 2006، وكتاب «بقايا من ثقافة الرمى: مساهمة في الثقافة الشعبية» الذي صدر في سنة 2013، وكتاب آخر بعنوان «حول تجارب التحديث القروي بالمغرب مع بيان من أجل البوادي المغربية» الذي في سنة 2015.

     في النهاية، من يتعرف على الأستاذ عمار حمداش سيجده إنسانا بسيطا متواضعا منشغلا بهموم المجتمع المغربي، ودائم التفكير والسؤال حول التنمية القروية وعاشقا للقراءة ومهتما بالتفاصيل الدقيقة، ومحبا لزملائه ورفاقه وخير رفيق في المعرفة لدى طلبة علم الاجتماع، ومشجعا لهم على البحث واقتناء المعرفة بشكل عام والمعرفة السوسيولوجية بشكل خاص، وعلى الرغم من انتمائه إلى علم حورب كثيرا من طرف السياسيين منذ إغلاق معهد العلوم الاجتماعية، فإنه يبقى متفائلا حول مستقبل السوسيولوجيا إيمانا منه أن الأجيال القادمة من الباحثين ستعيد للسوسيولوجيا قيمتها ومكانتها التي تستحقها في مجتمع بدأ أخيرا ينفتح قليلا على السوسيولوجيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق